السياسة الأمريكية والنظام العالمي- نظرة عربية ناقدة
المؤلف: صدقة يحيى فاضل11.02.2025

إن اهتمام الناس بالنظام العالمي الراهن هو أمر طبيعي ومبرر، وذلك لما له من تأثير بالغ ومباشر على جميع جوانب حياة البشرية. ومما لا شك فيه أن شريحة واسعة من العالم، ولا سيما الدول النامية، تعرب عن استيائها العميق من التوجهات السياسية التي سلكها النظام العالمي السابق، والذي كان يقوده القطب الأمريكي. فقد اتسم هذا النظام في كثير من الأحيان بالإجحاف والظلم تجاه بعض الأطراف في العلاقات الدولية، خاصة تلك الدول ذات النفوذ المحدود. كما تجلى فيه بوضوح غطرسة القوى المهيمنة، والعنصرية المذمومة، والاستغلال البشع للموارد والثروات. وإضافة إلى ذلك، لم يراعِ هذا النظام حقوق الإنسان بالقدر الكافي، وأساء استخدام المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة. وطالما أن القطب المسيطر في هذا النظام لا يزال متمثلاً في أمريكا، وذراعها العسكري العالمي، حلف الناتو، فإن أول ما يجب التدقيق فيه وتقييمه، في خضم تقييم النظام العالمي السابق (مع صعود الصين) هو السياسة الأمريكية، ولا سيما السياسة الخارجية الأمريكية، والتي تؤكد المراجعات المستمرة أن سلبياتها تفوق إيجابياتها بكثير، فيما يتعلق بخدمة السلم والأمن والازدهار العالميين. وهذا الواقع المرير يجعل معظم دول العالم لا تذرف دموع الأسى على رحيل النظام العالمي "الأمريكي"، على الرغم من عدم تيقنها من أن النظام القادم سيكون "أفضل" حالاً.
لقد كان النظام العالمي الذي تقوده أمريكا (ولا يزال إلى حد ما) يسعى جاهداً لتحقيق ما تصبو إليه أمريكا والحركة الصهيونية، حتى وإن تعارض ذلك مع مصالح أمريكا نفسها، ومع مصالح الإنسانية جمعاء. ولنستعرض هنا مثالاً صارخاً، لا يزال حاضراً أمام أعين العالم أجمع، وهو: دعم أمريكا المطلق لحرب "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل في الوقت الراهن، ورفضها القاطع لوقف هذه الجريمة النكراء، على الرغم من مطالبة الغالبية العظمى من دول العالم بوقف هذه الحرب الهمجية، ومحاسبة إسرائيل على ما تقترفه من فظائع تقشعر لها الأبدان.
وعندما نركز تحليلنا السريع هذا على منطقتنا العربية، ونسعى إلى تلخيص أبرز سمات السياسة الأمريكية تجاه ما تسميه بالشرق الأوسط، نجد أن أمريكا قد "كسبت" عداء معظم شعوب هذه المنطقة، وذلك بسبب ما تتسم به سياساتها من ازدواجية معايير بغيضة. فالصين الصاعدة لم تخضع للاختبار بعد، وليس لها تاريخ استعماري يذكر، على عكس القوى الدولية الغربية الأخرى. وهي الآن أمام فرصة سانحة لكسب ثقة العالم بأسره، واستمالة مودته وترحيبه، إذا ما اتبعت سياسات عادلة ونزيهة تجاه المنطقة وغيرها... سياسات مناقضة للسياسات الأمريكية والغربية تجاه المنطقة، والتي اتسمت، في العقود السبعة الماضية على وجه الخصوص، بسمات لا يمكن وصفها إلا بأنها "عدائية" واستغلالية وانتهازية، على الرغم من أن أمريكا، باعتبارها صاحبة أكبر "نفوذ" عالمي، كانت قادرة على فعل الكثير والكثير لصالح الأمن والسلم الدوليين والإقليميين، خاصة لو اتبعت مبدأ "الكل رابح"، لا مبدأ "لأربح، وليخسر الآخرون"، كما تفعل في أغلب الأحيان. فمن نافلة القول أن نذكر بأن سياسة أمريكا تجاه المنطقة العربية على وجه الخصوص، اتسمت بسمات سلبية عديدة، من أهمها: الادعاء بحماية مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، على الرغم من سعيها الدؤوب لمحاربة هذه المبادئ في المنطقة، صراحة وضمنياً. وازدواجية المعايير المتبعة في المنطقة. إضافة إلى أنه كثيراً ما يتم تأجيج الصراعات بين الأطراف، لإطالة أمد النزاعات.
ولكن أسوأ ما يلاحظ على هذه السياسة، هو الانحياز الأعمى لإسرائيل... التي ترتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين، والتنكيل بشعبها. حيث تسعى أمريكا جاهدة لتحقيق أهداف إسرائيل الإجرامية أولاً... حتى وإن تعارضت مع مصلحة أمريكا نفسها. وأمريكا تستخدم هذا الكيان، كقاعدة معادية متقدمة، هدفها تحقيق المطامع الصهيونية، وأهداف أسياد إسرائيل، في الغرب. وكانت النتيجة المحتمة، أن معظم ما يحدث في المنطقة العربية هو ما تريده إسرائيل، وتخطط لحصوله، ويصب في صالحها، دون اعتبار للحقوق العربية والفلسطينية، ولمنطق الحق والإنسانية، والقانون الدولي.
ولنحاول أن ننظر إلى السياسة الأمريكية من زاوية هي اخترعتها، وما زالت تحاول تطبيقها، منذ انفرادها بقيادة النظام العالمي، وهو ما يعرف بـ "العولمة" (Globalization) التي تفهم بأنها: حركة كونية شاملة - تلقائية ومقصودة في آن معاً - ناجمة عن التقدم التقني الهائل والمتسارع في العالم، وبخاصة في مجالات الاتصالات والمواصلات... والتي تدفع العالم بأسره للتحول إلى كيان كبير موحد... متشابهة عناصره - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً... مع إتاحة حرية التجارة – في هذه الحركة – لجعل كوكب الأرض "سوقاً" كبيراً واحداً... وبأمل أن ينجم عن ذلك سيادة قيم وعادات وأعراف سياسية واقتصادية واجتماعية موحدة، أو متجانسة، في كل أرجاء المعمورة.
إنها "حراك" أو "عملية" متشعبة الأبعاد والجوانب، كما هو واضح من تعريفها. ففي بعديها السياسي والاجتماعي: تؤكد – نظرياً – على الديمقراطية والليبرالية، وحقوق إنسان موحدة. وفي بعدها الاقتصادي، الذي تتولاه "منظمة التجارة العالمية" ( WTO)، تهدف إلى: جعل العالم (ككل) وحدة اقتصادية كبرى واحدة.... تتحرر فيها التجارة، وتبادل المصالح.... فيسمح بحرية انتقال السلع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال عبر الحدود الدولية... مما يحتّم قيام تنسيق مالي عالمي واحد.... يؤكد على الرأسمالية شبه المطلقة.
ومنذ أن وجدت "الدول" وجدت العولمة.... بل إن الأخيرة بدأت منذ أن أصبح هناك اتصال - بأنواعه - بين الأمم المختلفة. ولكن مصطلح "العولمة" بدأ يحتل حيزا كبيراً مستجداً في الفكر الاقتصادي والسياسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، عام 1991م، وانفراد أمريكا بصدارة العالم، ويتضمن معاني جديدة معينة. وقد حاولت القوى الكبرى (أمريكا بخاصة) في عالم اليوم تحميل هذا المصطلح بعض "الشعارات" (الجميلة)... التي سرعان ما ثبت أنها مجردة من مضامينها الحقيقية... وأنها تطلق لتسهيل - و"شرعنة"- هيمنة تلك الدول على العالم. فالمستفيد الأول – وربما الأخير – من العولمة الراهنة هي تلك القوى، وفي مقدمتها أمريكا.
لقد أوصلت "الرأسمالية" معظم العالم إلى مرحلة "العولمة" المكثفة.... ولم تكن العولمة قط بهذه الكثافة، منذ بداية التاريخ الحديث. ويتوقع أن تزداد رسوخاً، وأن تبلغ في نهاية هذا القرن حداً يجعل من العالم – بالفعل –"قرية كبيرة واحدة"....
ولكن، وبعد هذا الزحف "العولمي" الكاسح، ما زالت تثار العديد من التساؤلات المشروعة، الناتجة عن "قلق" عالمي واسع، له كل ما يبرره. فهناك تساؤلات جوهرية عن مسار هذه العولمة، وتأثيراتها المتوقعة، قد نتطرق – باختصار- لها لاحقاً.
لقد كان النظام العالمي الذي تقوده أمريكا (ولا يزال إلى حد ما) يسعى جاهداً لتحقيق ما تصبو إليه أمريكا والحركة الصهيونية، حتى وإن تعارض ذلك مع مصالح أمريكا نفسها، ومع مصالح الإنسانية جمعاء. ولنستعرض هنا مثالاً صارخاً، لا يزال حاضراً أمام أعين العالم أجمع، وهو: دعم أمريكا المطلق لحرب "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل في الوقت الراهن، ورفضها القاطع لوقف هذه الجريمة النكراء، على الرغم من مطالبة الغالبية العظمى من دول العالم بوقف هذه الحرب الهمجية، ومحاسبة إسرائيل على ما تقترفه من فظائع تقشعر لها الأبدان.
وعندما نركز تحليلنا السريع هذا على منطقتنا العربية، ونسعى إلى تلخيص أبرز سمات السياسة الأمريكية تجاه ما تسميه بالشرق الأوسط، نجد أن أمريكا قد "كسبت" عداء معظم شعوب هذه المنطقة، وذلك بسبب ما تتسم به سياساتها من ازدواجية معايير بغيضة. فالصين الصاعدة لم تخضع للاختبار بعد، وليس لها تاريخ استعماري يذكر، على عكس القوى الدولية الغربية الأخرى. وهي الآن أمام فرصة سانحة لكسب ثقة العالم بأسره، واستمالة مودته وترحيبه، إذا ما اتبعت سياسات عادلة ونزيهة تجاه المنطقة وغيرها... سياسات مناقضة للسياسات الأمريكية والغربية تجاه المنطقة، والتي اتسمت، في العقود السبعة الماضية على وجه الخصوص، بسمات لا يمكن وصفها إلا بأنها "عدائية" واستغلالية وانتهازية، على الرغم من أن أمريكا، باعتبارها صاحبة أكبر "نفوذ" عالمي، كانت قادرة على فعل الكثير والكثير لصالح الأمن والسلم الدوليين والإقليميين، خاصة لو اتبعت مبدأ "الكل رابح"، لا مبدأ "لأربح، وليخسر الآخرون"، كما تفعل في أغلب الأحيان. فمن نافلة القول أن نذكر بأن سياسة أمريكا تجاه المنطقة العربية على وجه الخصوص، اتسمت بسمات سلبية عديدة، من أهمها: الادعاء بحماية مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، على الرغم من سعيها الدؤوب لمحاربة هذه المبادئ في المنطقة، صراحة وضمنياً. وازدواجية المعايير المتبعة في المنطقة. إضافة إلى أنه كثيراً ما يتم تأجيج الصراعات بين الأطراف، لإطالة أمد النزاعات.
ولكن أسوأ ما يلاحظ على هذه السياسة، هو الانحياز الأعمى لإسرائيل... التي ترتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين، والتنكيل بشعبها. حيث تسعى أمريكا جاهدة لتحقيق أهداف إسرائيل الإجرامية أولاً... حتى وإن تعارضت مع مصلحة أمريكا نفسها. وأمريكا تستخدم هذا الكيان، كقاعدة معادية متقدمة، هدفها تحقيق المطامع الصهيونية، وأهداف أسياد إسرائيل، في الغرب. وكانت النتيجة المحتمة، أن معظم ما يحدث في المنطقة العربية هو ما تريده إسرائيل، وتخطط لحصوله، ويصب في صالحها، دون اعتبار للحقوق العربية والفلسطينية، ولمنطق الحق والإنسانية، والقانون الدولي.
ولنحاول أن ننظر إلى السياسة الأمريكية من زاوية هي اخترعتها، وما زالت تحاول تطبيقها، منذ انفرادها بقيادة النظام العالمي، وهو ما يعرف بـ "العولمة" (Globalization) التي تفهم بأنها: حركة كونية شاملة - تلقائية ومقصودة في آن معاً - ناجمة عن التقدم التقني الهائل والمتسارع في العالم، وبخاصة في مجالات الاتصالات والمواصلات... والتي تدفع العالم بأسره للتحول إلى كيان كبير موحد... متشابهة عناصره - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً... مع إتاحة حرية التجارة – في هذه الحركة – لجعل كوكب الأرض "سوقاً" كبيراً واحداً... وبأمل أن ينجم عن ذلك سيادة قيم وعادات وأعراف سياسية واقتصادية واجتماعية موحدة، أو متجانسة، في كل أرجاء المعمورة.
إنها "حراك" أو "عملية" متشعبة الأبعاد والجوانب، كما هو واضح من تعريفها. ففي بعديها السياسي والاجتماعي: تؤكد – نظرياً – على الديمقراطية والليبرالية، وحقوق إنسان موحدة. وفي بعدها الاقتصادي، الذي تتولاه "منظمة التجارة العالمية" ( WTO)، تهدف إلى: جعل العالم (ككل) وحدة اقتصادية كبرى واحدة.... تتحرر فيها التجارة، وتبادل المصالح.... فيسمح بحرية انتقال السلع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال عبر الحدود الدولية... مما يحتّم قيام تنسيق مالي عالمي واحد.... يؤكد على الرأسمالية شبه المطلقة.
ومنذ أن وجدت "الدول" وجدت العولمة.... بل إن الأخيرة بدأت منذ أن أصبح هناك اتصال - بأنواعه - بين الأمم المختلفة. ولكن مصطلح "العولمة" بدأ يحتل حيزا كبيراً مستجداً في الفكر الاقتصادي والسياسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، عام 1991م، وانفراد أمريكا بصدارة العالم، ويتضمن معاني جديدة معينة. وقد حاولت القوى الكبرى (أمريكا بخاصة) في عالم اليوم تحميل هذا المصطلح بعض "الشعارات" (الجميلة)... التي سرعان ما ثبت أنها مجردة من مضامينها الحقيقية... وأنها تطلق لتسهيل - و"شرعنة"- هيمنة تلك الدول على العالم. فالمستفيد الأول – وربما الأخير – من العولمة الراهنة هي تلك القوى، وفي مقدمتها أمريكا.
لقد أوصلت "الرأسمالية" معظم العالم إلى مرحلة "العولمة" المكثفة.... ولم تكن العولمة قط بهذه الكثافة، منذ بداية التاريخ الحديث. ويتوقع أن تزداد رسوخاً، وأن تبلغ في نهاية هذا القرن حداً يجعل من العالم – بالفعل –"قرية كبيرة واحدة"....
ولكن، وبعد هذا الزحف "العولمي" الكاسح، ما زالت تثار العديد من التساؤلات المشروعة، الناتجة عن "قلق" عالمي واسع، له كل ما يبرره. فهناك تساؤلات جوهرية عن مسار هذه العولمة، وتأثيراتها المتوقعة، قد نتطرق – باختصار- لها لاحقاً.
